فإن القرآن الکريم هو کتاب الله المعجز, ونوره الهادي , وآياته المرشدة والمشرعة والمعلمة , هو الذي لا تنقضي عجائبه والذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا ( إنا سمعنا قرأنا عجبا يهدى إلي الرشد فأمنا به )
و من أهم مواطن الإعجاز في کتاب الله اختيار الألفاظ , أي : الدقة المتناهية , کما أن اللفظة مستقرة في مکانها ومتلائمة ومنسجمة مع أخواتها , کما أن معناها يؤثر في غيرها ومعناها يتأثر بالمعاني التي تکتنفها , کما أنها في بعض الأحيان تتکرر في عدة مواضع , ومن الملاحظ بعد عميق التأمل أنها – أي اللفظة – لها سمتها الذي يميزها في موضعها عن بقية المواضع , نظرا لاختلاف السياقات والمقامات والأغراض0 ويعرف هذا بطول التأمل ودقة المقارنات , ومعرفة أسباب النزول , ومعونة السياق والمقام , والإلمام بالمعاني التي وضعتها اللغة للفظة 0
واخترت من تلک الألفاظ لفظة الصلاة والتي کثر استعمالها في کتاب الله, وتنوعت سياقاتها , وتباينت أغراضها , مع اختلاف ترتيبها مع غيرها من الصفات , وهذا يدل علي عظيم قدرها , وجليل منزلتها , وعلو مکانتها وشرف أغراضها 0 والحديث عن إقامة الصلاة أخذ حظا وافراً ونصيبا کبيرا , وذلک لأنه متعلق في معظمه بأهل الإيمان , وأهل الإيمان يصلون ولکن ربما يحدث منهم ما يخل بإقامتها, والحديث عن إقامة الصلاة اخذ ألوانا مختلفة, وسلک القرآن به طرقا متباينة
فاخبر الله عن قوم أقاموا الصلاة , وهذا الإخبار هو من المدح والثناء , واخبر عنهم في مواضع أخري بأنهم يقيمون الصلاة بالفعل المضارع لإفادة الاستمرار والتجدد لأن الصلاة لها أوقات معلومة ومواقيت محدودة , وتارة يطلب من أهل الإيمان إقامة الصلاة بصيغة المضارع , أي يذکرهم بتجدد إقامتها کلما حان وقتها 0
وأمر الله بإقامة الصلاة کافة الناس , فأهل الإيمان المقيمون للصلاة الأمر بالنسبة لهم هو المحافظة والمداومة, ولغيرهم من أهل الکتاب والکفار , والمراد ابتداء فعل ذلک وإنشائه مع المداومة والمحافظة 0
وعبر بالاسم عند الحديث عن إقامة الصلاة في مقامات المدح والثناء لان ذلک أبلغ لما فيه من إفادة الثبوت والدوام أو طلب ذلک من الله-تعالى- کما حصل من نبي الله إبراهيم – عليه السلام ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (ابراهيم:40)
أما لفظ الصلاة بدون الإقامة فقد ورد بصيغ متعددة , منه : فعل الأمر والفعل الماضي والفعل المضارع , وفي سياق النهي , وفي سياق الشرط , وفي سياق الجملة الحالية و ووقع مجرورا , وورد هذا اللفظ مفردا ومجموعا وورد مفعولا, ومضافا ومضافاً إليه , ووردت إضافته إلي ضمير المخاطب المفرد وضمير الغائب المفرد والجمع , وضمير المتکلم المفرد وبصيغة اسم الفاعل وورد اسما للمکان , وإلي غير ذلک من بقية الصيغ
ولکن سوف تقتصر الدراسة هنا في هذا البحث على إقامة الصلاة
وقد تتبعت هذا اللفظ تتبعا دقيقا حيث جمعت الشبيه إلي الشبيه والنظير إلي النظير , وأشرت قدر المستطاع إلي ما هديت إليه من أسرار النظم الحکيم , مستعينا بالله- تعالي – وراجعا إلي أئمة هذا الفن من المفسرين , والله أسأل أن يکون هذا العمل خالصا لوجهه الکريم .
رابط تحميل البحث من هنا