أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

هل يستجاب دعاء الكافر، مع العلم أنه يدعي بالهداية لنفسه؟

السؤال : هل يستجاب دعاء الكافر، مع العلم أنه يدعي بالهداية لنفسه؟

 الجواب

الحمد لله.

إذا دعا الكافر ، فهل يقبل الله تعالى دعاءه ؟

ذهب بعض العلماء إلى أن الله لا يقبل دعاء الكافر ، واستدلوا بقوله تعالى : (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) .

وقد أطال في الاستدلال بذلك الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره .

انظر: "التحرير والتنوير" (24/166).

وذهب جمهور العلماء إلى أن الله تعالى قد يقبل دعاء الكافر .

واستدلوا بـ :

1-عموم قوله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ).

وآيات خاصة وردت في هذا ، كقوله تعالى : (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) العنكبوت/65، وقوله تعالى : (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) لقمان/32.

2-عموم قول النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) رواه البخاري (1496)، ومسلم (19) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم، وقد يجيب الله دعاء الكفار؛ فإن الكفار يسألون الله الرزق فيرزقهم ويسقيهم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/206).

وقال أيضا (1/223): "وأما إجابة السائلين فعام؛ فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافرا" انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، ولا محباً له، ولا راضياً بفعله؛ فإنه يجيب البر والفاجر، والمؤمن والكافر" انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/215) .

وأما الآية التي استدل بها الطاهر بن عاشور رحمه الله ، وهي قوله تعالى : (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) ، فقد وردت في موضعين من القرآن الكريم ، الأول : في سورة الرعد (14) : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) ، والثاني : في سورة غافر (50) : (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) .

أما الموضع الأول ، ففي تفسيرها قولان للمفسرين :

هل المراد : وما دعاء الكافرين اللهَ إلا في ضلال .

أو : وما عبادة الكافرين أصنامَهم إلا في ضلال ؟

انظر "زاد المسير" لابن الجوزي (4/318) .

والقول الثاني : هو ما يؤيده سياق الآية ، وهو ما اختاره ابن كثير رحمه الله ، فقال رحمه الله : "ومعنى هذا الكلام : أن الذي يبسط يده إلى الماء ، إما قابضا وإما متناولا له من بعد ، كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلا للشرب ، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلها غيره ، لا ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولهذا قال : وما دعاء الكافرين إلا في ضلال انتهى من " تفسير ابن كثير" (2/667).

وأما الموضع الثاني الذي في سورة غافر ، فظاهر السياق أن هذا في الآخرة.

قال الألوسي رحمه الله تعالى: "واستدل بها مطلقا من قال: إن دعاء الكافر لا يستجاب، وإنه لا يُمَكَّن من الخروج في الاستسقاء.

والحق أن الآية في دعاء الكفار يوم القيامة، وأن الكافر قد يقع في الدنيا ما يدعو به ويطلبه من الله تعالى إثر دعائه ، كما يشهد بذلك آيات كثيرة" انتهى من "روح المعاني" (12/329) .

وقد ذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الكفار إذا خرجوا للاستسقاء لا يُمنعون من ذلك .

قال ابن قدامة رحمه الله:

"لَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ [يعني : في الاستسقاء] ... وَإِنْ خَرَجُوا لَمْ يُمْنَعُوا ؛ لِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ أَرْزَاقَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجِيبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْمُؤْمِنِينَ" انتهى من "المغني" (3/348).

وقال الإمام الشافعي : "فإن خرجوا متميزين على حدةٍ: لم يمنعهم" انتهى من "المجموع" (5/74) .

وفي "الزخيرة" للقرافي (2/434) : "وجوَّز [يعني : الإمام مالك] ، خروج أهل الذمة ، لأنهم يرزقون كما نرزق" انتهى.

وبهذا يتبين أن الراجح أن الله تعالى قد يجيب دعاء الكافر ؛ لاسيما إذا كان مضطرا أو مظلوما .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟


تعليقات