الملك امنمحات الأول مؤسس الأسرة الثانية عشرة الفرعونية
بالتأكيد فقد قال عنه أحمد فخري : لم يكن امنمحات إلا رجلا عصاميا من الشعب رفعه ذكاءه وجده إلي وكان من بين أساليب رده علي خصومه كتابة البردية المعروفة باسم المكان الذي يستحقه تنبؤات نفرتي المحفوظة الآن في متحف ليننجراد والتي أطنبت في وصف ما سيحل بمصر من فوضي وأن إنقاذها سيتم علي يدي ملك سيأتي من الجنوب يسمي أميني " امنمحات " ابن امرأة من النوبة ويولد في الصعيد سيهزم الأسيويون أمام مذابحه ويقع الليبيون صرعي أمام لهيبه ولم يكن المقصود من كتابة تلك البردية إلا الترويج بين الشعب لهذا الحاكم الجديد ومحاولة إقناع الناس بأن اختياره لإنقاذ مصر أمر أرادته الآلهة منذ أبعد الأزمنة .
وطالت الأيام بأمنمحات حتي وصل حكمه إلي ثلاثين عاما ولم يقدر له أن يموت وهو في شيخوخته ميتة هادئة بل مات غيلة وهو في قصره إذ انتهز أعداؤه فرصة غياب ابنه وولي عهده وشريكه في الملك سنوسرت ، في حملة علي ليبيا ودبروا مقتله
ونعرف بعض التفاصيل عن تلك النهاية من برديتين إحداهما من بردية شخص يسمي ، أما البردية الثانية فهي معروفة باسم نصائح امنمحات لابنه وقد كتبت دون بعد موت الملك وكأنها علي لسانه من العالم الآخر يتحدث فيها إلي ابنه ويوصيه كيف يسوس الملك وكانت من أحب الموضوعات الأدبية إلي قلوب المصريين في الدولة الحديثة من الأسرة 18 حتى الأسرة ٢٠ وكانت موضع دراسة كثير من العلماء هذا يعني أن الفراعنة كانوا يهتمون بدراسة تاريخهم وما حدث في الأسر السابقة - بالتأكيد ( وتمتاز الأسرة الثانية عشرة بما أنتجه صانعوا الحلى وبخاصة لأميرات البيت المالك إذ جمعت تلك الحلي بين الدقة المتناهية في الصناعة والذوق الفني الرفيع ) كما يمتاز هذا العصر بنشاط دبلوماسي كبير وعلاقات واسعة مع دول الجوار ، كما اهتمت هذه الأسرة بالجنوب وقامت بتعيين حاكم مصري جنوب الشلال الثالث وأقامت حصناً ومخزناً كبيراً للتجار هناك كما أقامت هذه الأسرة مشاريع للري واهتمت بالزراعة وبنهر النيل اهتمام خاص كما ازدهر في عهد هذه الأسرة الأدب والفن يبدو أن هذه الأسرة كانت مسيطرة تماماً ولها العديد من الإنجازات نعم وسوف أقرأ لك بعض إنجازات هذه الأسرة لأنها تستحق بالفعل ويقول الرافعي عن هذه الأسرة في کتابه تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة : وتمتاز هذه الأسرة عامة بأنها نزلت قليلاً عن السلطة القدسية التي كانت لملوك الدولة القديمة ، وتقربت إلي الشعب بإقامتها منار العدل ، وبالعديد من الإصلاحات والأعمال الإقتصادية والعمرانية التي زادت من رخاء الشعب ، وقد استمر حكم هذه الأ سرةما يقرب من مائتي عام ، تقدمت البلاد تقدماً عظيماً في شتي النواحي ، وكانت مصر في عهدها أقوي ا دولة في المنطقة ، وكان الملك سنوسرت الأول ثاني ملوك هذه الأسرة ، وقد أقام مسلة شهيرة باقية إلي الآن ( بالمطرية ) ويبلغ ارتفاعها 66 قدماً ، وهي قطعة واحدة من الجرانيت الأحمر ، وقد أقامها في مدخل المعبد والمدرسة الجامعة اللذين بناهما في عين شمس ( التي يسميها اليونانيون هليوبوليس ) – مدينة أون – وهي أقدم مسلة قائمة في مكانها الأصلي ، ويقول الدكتور أحمد بدوي في كتابه ( موكب الشمس ج ۲ صفحة 130 ) إن مسلة عين شمس إحدي خمس مسلات مازالت في مكانها الأصلي وأما باقي مسلات الفراعنة فقد نقلها الضعف والهوي السياسي إلي ما وراء البحار إلي لندن وباريس ونيويورك وروما واستانبول وفي روما وحدها مسلات تسع الضعف والهوي السياسي ، يا له من تعبير ، وتخيل معي إذا كان الفراعنة سيعرفون إلي أين ستذهب آثاراهم هل كانوا سيشيدونها ؟ - بل تخيل إذا عاد أحدهم إلي قبره كما يدعون في يوم من الأيام سيجد جميع محتويات القبر في جميع متاحف العالم بالتأكيد ، المهم فماذا عن باقي مشروعات هذه الأسرة ؟ من أهم المشروعات العملاقة لهذه الأسرة بلا شك مشروعات الملك امنمحات الثالث التي انبهر بها المؤرخ هيرودوت المعروف عندما حضر إلى مصر وكتب عنها وبمناسبة الحديث عن امنمحات الثالث فإنه توجد حاليا بمتحف اللوفر بفرنسا رأس تمثال رائعة لهذا الملك
- هيرودوت هذا هو الذي قال قولته الشهيرة أن مصر هبة النيل فماذا قال عن هذه المشروعات
عندما انبهر المؤرخ اليوناني هيرودوت بمشروعات الملك امنمحات الثالث
ورد بالجزء الأول من موسوعة تاريخ مصر للأستاذ أحمد حسين صفحة 80 وما بعدها وتحت عنوان امنمحات الثالث حوالي ١٨٤٢ قبل الميلاد : حكم امنمحات الثالث مصر وقد سمي باسم ني ماعت رع ويعتبره المؤرخون من أعظم من حكموا مصر ، ودام حكمه خمساً وأربعين سنة مرت علي مصر في هدوء وسلام وملئت بالمشاريع الكبري العمرانية ، كان أعظمها بطبيعة الحال نظام الري الذي ابتكره للوجه البحري بأن اتخذ من منخفض اقليم الفيوم الذي ينخفض في بعض أجزائه عن البحر بـ ١٢٩ قدماً خزاناً للماء حيث لا تزال بحيرة قارون آية علي ذلك فشيدوا علي الفتحة في سلسلة الجبال التي تربط وادي النيل بمنخفض الفيوم سداً عظيماً - سد اللاهون- فنشأت هذه البحيرة الهائلة في التاريخ التي عرفت باسم بحيرة موريس والتي كانت تمد النيل بعد ذلك بالماء خلال فترة التحاريق أشبه بخزان أسوان أو السد العالي في عصرنا الحديث ، وبهذا ضرب عدة عصافير بحجر واحد ، فهو أن قذ الفيوم من الغرق الذي كانت تتعرض له كل عام ، واستصلح أراضي زراعية قام باستغلالها بالفعل ومد النيل بالماء أيام التحاريق ، ومن الأعمال العمرانية العظيمة التي تنسب إلي امنمحات الثالث ، القصر العظيم الذي اطلق عليه اليونانيون اسم قصر اللابيرانت - قصر التيه – وكان طوله يبلغ ألف قدم وعرضه ثمانمائة وقد استعمل معهداً دينياً وإدارياً ، وقد وصف هيرودوت هذين الأثرين ونعني بهما بحيرة موريس وقصر اللابيرانت ، فقد رآهما رأي العيان ووصف ما رأي عامة وسجل انبهاره كما ورد في کتاب هیرودوت يتحدث عن مصر لمحمد صقر خفاجة
- فماذا قال هيرودوت ؟
- يقول : إن اللابيرانت عمل يعجز عن وصفه البيان ، إذ لو قدر لإمرئ أن يجمع معرضاً للمباني والآثار الفنية التي شيدها اليونانيون لبدت عملاً أقل من هذه اللابيرانت ثم ينتقل هيرودوت للتحدث عن بحيرة موريس فيقول : ومع أن اللابيرانت علي هذه الدرجة من العظمة ، لكن البحيرة المسماة ببحيرة موريس والتي بني اللابيرانت بالقرب منها تثير إعجاباً أشد ، وراح هيرودوت يسجل أبعاد الخزان العظيم وكيف يصل إليها الماء من النيل لمدة ستة أشهر ثم يرجع منها إلى النيل مدة ستة أشهر ثانية ، وهي القناة المعروفة اليوم باسم بحر يوسف ، كما تحدث هيرودوت عن تمثالين لامنمحات الثالث ، وفترة حكم امنمحات الثالث حل فيها النعيم والأمن والسكينة علي البلاد ، حتى ترنم القوم بالفرعون قائلين : أنه يكسو القطرين جنة خضراء أكبر من النيل العظيم ، لقد زاد القطرين قوة ، كيف لا وهو نفس الحياة المرطب للأنوف ، هو الذي يوزع الخيرات علي تابعيه ، هو المغذي لخلفاءه ، هو الفداء ه وفي فمه الخير
-يبدو أن الحاكم هو كل شئ في مصر وكلما قرأت لي أكثر كلما يتأكد هذا المعني ، مع أن الشعب هو الذي يصنع كل شئ ولكن لابد أن تأتيه المبادرة من أعلي وبقوة ، فالحاكم القوي كل ما عليه أن يرغب فقط في فعل أي شئ
-بالتأكيد إن رغبة الحاكم في مصر تلعب الدور المحوري إن لم يكن الدور الوحيد في تنفيذ أي مشروع ولكن من الإنصاف أن نقول أن الحاكم القوي إذا كان عادلاً في نفس الوقت يكون ذلك من حسن حظ الشعب فهو لا يملك تغييره علي أي حال
- قد يكون ما تقوله صحيحاً ولكن هناك اعتبارات أخري في غاية الأهمية والخطورة وهي أن مصر كانت في ذلك الوقت دولة قوية ذات سيادة بل أقوي دولة في المنطقة وبالتالي فإن حاكمها كان لا يخضع لأي ضغوط خارجية تفرض عليه اتخاذ قرارات معينة ليست نابعة منه شخصياً
-بالفعل معك كل الحق فمصر في ذلك الوقت لم تعرف التبعية ولم يتم السيطرة عليها أو علي حكامها بأي صورة من الخارج فكانت كل مشاكلها واضطراباتها تحدث داخلها فقط فإذا حكمها حاكم قوي وعادل لا يوجد ما يمنعه علي الإطلاق من فعل ما يريد دون أن يضع في اعتباره الموقف الدولي أو توازنات من أي نوع في المنطقة أو أي شئ من هذا القبيل ، كما أن كل ما يجمعه الحاكم وحاشيته وكهنته وكبار رجال دولته لا يخرج من مصر بل يتم إنفاقه داخلها ، وبالتالي فإن جميع خيرات مصر تبقي داخل مصر حسناً ،
فهل توجد إنجازات أو مواقف تاريخية أخري مهمة لهذه الأسرة في عهد الملك سنوسرت الثالث
حدث موقف تاريخي نادر عندما قرر الملك سنوسرت الثالث ١٨٧٤-١٨٥٥ ق.م. إجراء أعمال حربية في النوبة لتأمين حدود مصر الجنوبية فقد وجد عقبة كبيرة أمام سفن الأسطول ، فشق لأسطوله طريقاً بين صخور الشلال الأول ، وأنشأ مهندسوه هذا الطريق المائي في أصعب مناطق الشلال الجرانيتية لمسافة مائتين وستين قدماً بعرض أربعة وثلاثين قدماً وعمق ستة وعشرين قدماً ، وحمل على النوبة عدة حملات وطدت فيها السلطة المصرية ، وشيد حصنين متقابلين في آخر الحدود الجنوبية للدولة علي شاطئ النيل ، ولا تزال آثار هذين الحصنين باقية الآن تشهد لمصر في تلك الأوقات بالبراعة الحربية والكفاية في اختيار مواقع الدفاع الحصينة ، والمقدرة علي تشييد الحصون المنيعة ، وكان سنوسرت الثالث من أهم ملوك الأسرة الثانية عشرة الفرعونية بالدولة الوسطي ، وقد نصب لوحته المشهورة التي يتحدث فيها إلى المصريين عن الكفاح الوطني ويحثهم عليه
-إن هؤلاء الملوك كانوا حريصين على كتابة وتسجيل أمجادهم فماذا كتب علي هذه اللوحة ؟
-بعض من المكتوب علي اللوحة نقلاً عن كتاب تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة - تاليف عبد الرحمن الرافعي - صفحة 54 : ( – – ولقد جعلت تخوم بلادي أبعد مما وصل إليه أجدادي ، وزدت في مساحتها علي ما ورثته ، وإني ملك يقول وينفذ ، وما يختلج في فؤادي تفعله يدي ، وإني طموح إلي السيطرة ، وقوي أحرز الفوز ، ولست بالرجل الذي يرضي بالتقاعس عندما يعتدي عليه ، أهاجم من يهاجمني حسبما تقتضيه الأحوال فإن الرجل الذي يركن إلي الدعة بعد الهجوم عليه يقوي قلب العدو ، والشجاعة هي مضاء العزيمة -
- يقول وينفذ أم يقول والشعب هو الذي ينفذ ؟ -
علي أي حال لن ينفذ أحد أي شئ إلا بقرار من الفرعون ، وعموماً فقد حكمت هذه الأسرة ما يقرب من قرنين ، وتتكون من مجموعة من الملوك اشتهروا باسم امنمحات وسنوسرت علي التوالي وهذا هو الترتيب المفضل لملوك هذه الأسرة : امنمحات الأول - سنوسرت الأول امنمحات الثاني - امنمحات الثالث سنوسرت الثاني - سنوسرت الثالث - امنمحات الرابع . الملكة سبك نفرو وقد امتاز عصر هذه الأسرة بالرقي في الذوق الفني كما يمتاز هذا العصر بنشاط دبلوماسي كبير وعلاقات واسعة مع دول الجوار مثل فلسطين وسوريا وبعض جزر البحر المتوسط مثل قبرص وكانت الدول التيارتبطت بمصر بعلاقات صداقة هي المستفيدة أكثر بهذه العلاقات بطبيعة الحال لأن مصر في ذلك الوقت كانت أعظم الأمم ثقافة وقوة وحضارة في بلاد الشرق القديم على حد تعبير أحمد فخري - أو كما ورد في الأغنية الشهيرة طوف وشوف لكوكب الشرق أم كلثوم : كان نهار الدنيا لسه ما طلعش ، وهنا عز النهار كما اهتمت هذه الأسرة بالجنوب وقامت بتعيين حاكم مصري جنوب الشلال الثالث وأقامت حصنا ومخزناً كبيرا للتجار هناك كما أقامت هذه الأسرة مشاريع للري واهتمت بالزراعة وبنهر النيل اهتمام خاص كما ازدهر الأدب والفن في عصر هذه الأسرة ، وقد كتب عنها أيضا المؤرخ والأثري الكبير د أحمد فخري في كتابه الممتع مصر الفرعونية وتحديدا في الصفحة رقم ٢٤٠ ( وما من شك في أن أكثر ملوك الدولة الوسطى لم يكونوا عتاة أو متجبرين في الأرض بل نعرف عن أكثرهم أنهم كانوا فخورين بعدلهم بين الناس وسهرهم على رعايتهم ولهذا سرعان ما أطمأن الناس إلى حكامهم وتركوا أمر سعادتهم بين أيديهم )